أكثر من 39 ألف مهندس و 3300 طبيب تونسي غادروا تونس خلال سنوات الأخيرة


ان نزيف الهجرة قد تفاقم كثيرا بعد الثورة ، و هذه حقيقة مؤكدة تنطق بها الأرقام ، في آخر مسح للهجرة يكشف عن هجرة 39 ألف مهندس(ة) و3300 طبيب(ة) تونسيبين بين سنة 2015 و سنة 2021 .


تؤكد دراسة علمية بالمعهد الوطني للإحصاء بأن أكثر من 39 ألف مهندس(ة) و اكثر من 3300 ألف طبيب(ة) تونسي قد غادرو تونس منذ سنة 2015 الى حدود 2021 و هذا ما جعل من الهجرة اشبه بثقب الاسود يتسع باستمرار ليبتلع خيرة عقول تونس من مختلف المجالات الجامعية


 التي ترحل بحثا لا عن تطوير الأوضاع المادية وإغراءات الحياة في الدول الغربية فحسب ، بل كذلك بسبب ضيق الأفق وبحثا عن بداية جديدة في مجتمع مختلف يحترم الإنسان ويقدر الكفاءات التي لم تحظ الكثير منها بالفرصة في بلدها الأصلي كما يتحدث كثيرون .


على حسب الدراسة الأخيرة التي أعلن عن نتائجها المعهدالوطني للإحصاء الثلاثاء 7 ديسمبر ، هناك ما يزيد عن مليون و700 ألف تونسي(ة) عبروا بشكل صريح عن نيتهم الهجرة من تونس لاي دولة أخرى ..


الأرقام الموجودة الان تشير بان الهجرة لم يعد حكرا على طبقة اجتماعية معينة أو من المهمشين والمعطلين عن العمل والمنقطعين عن الدراسة الذين يرون الضفة الأوروبية ملاذا من واقعهم المتأزم .


فخلال السنوات الـ10 الأخيرة غادر 10 الآلاف من الكفاءات والأدمغة التونسية للمهجر ، و هيا ظاهرة زاد من تفاقمها الاستقطاب الأوروبي والغربي لعديد من المهارات والتخصصات من قطاعات علمية كبيرة .


العجز عن الاستثمار في الحلم


يرى الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين ان المشكل الرئيسي في تحليله لمعالم الظاهرة على المستوى الاجتماعي والسوسيولوجي وراء تصاعد نزيف هجرة الأدمغة يرتبط بالوضع العام في البلاد .


و قد أشار الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لبوابة تونس أن ما يقرب من 50 ٪ من شباب تونسي الذي يترواح أعمارهم بين 25 سنة و 35 سنة يحلمون بالسفر والاستقرار في بلد أوروبي يمنحهم الاستقرار و تحقيق أحلامهم وطموحاتهم ..


و قد أضاف الباحث في علم الاجتماع حين يصبح الشباب غير قادر على بناء أحلامه ومشاريعه في بلده فهنا يكمن موضع الداء والخطر .


ويلفت الأستاذ و الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين إلى أنه كلما ارتفع سقف الانتظار الشباب ازدادت صعوبات تحقيقها على ارض الواقع ، و بالنظر إلى عدم تطابقها مع الواقع في تونس فهذا ما يزيد من حجم الإحباط واليأس وبالتالي البحث عن البدائل الفردية غالبا ما تتجسد من خلال الهجرة .


غياب الاستقرار وتأثيرات العولمة



العامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تغلب عليه الهشاشة والتوتر وعدم الاستقرار والأزمات المتوالية منذ سنة 2011 ، والناتجة عنه حسب رأيه عن مخاض ديمقراطي عاشته كل الثورات و لكن هذه الهزات وعدم الاستقرار وغياب الأفق لفترة طويلة يدفع بالشباب إلى البحث عن طريق آخر لتحقيق رغباته وتطلعاته وبناء مستقبله في مجتمع جديد يتميز بالاستقرار الاجتماعي و السياسي .


كما لفت الباحث التونسي ممدوح عز الدين إلى أن تخلي الدولة بشكل تدريجي عن دورها في الرعاية الاجتماعية في ظل هذه التحولات الاقتصادية ، والانتقال فوراً إلى اقتصاد السوق والعولمة يعتبر هذا العامل الثالث الذي يفسر تصاعد ظاهرة هجرة العقول و الادمغة التونسية .


و ان هناك تحولات متسارعة تزامنت مع تخلي الدول الأوروبية عن التمويل و الاستثمار في اغلب القطاعات مثل :


الصحة والتعليم و خاصة في ظل الانفتاح الواسع على الخوصصة ، وهو ما أدى إلى توجه حكوماتها إلى استقطاب المهارات المهاجرة بمختلف الاختصاصات و خاصة العلمية منها و ذلك على غرار الأطباء باعتبار هذا القطاع يتكلف كثيرا من ميزانية الدولة في التكوين و تعليم .


وأشار ممدوح عز الدين في هذا السياق إلى أن كلفة تكوين الطبيب الواحد في الجامعات التونسية تقدر بحوالي 700 ألف دينار ، و هذا قبل أن تتلقفه المستشفيات الفرنسية والأوروبية والكندية.. و تقدم له الإغراءات والامتيازات الكبرى إلى جانب ذلك الجنسية .


البحث عن تقدير الذات


ويرى الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن خيار الهجرة يكون نتيجة بحث الشخص عن تحقيق رفاهه المادي وتأمين مستقبله أفضل بفضل الامتيازات التي تقدمها له بلدان المهجر قائلا :


لو أن تلك المهارات والعقول حظيت بهذه الامتيازات ذاتها في تونس فالأكيد أنها كانت ستخير الاستقرار و نمو هنا .


ويضيف ممدوح عز الدين تهتم العقول التونسية المهاجرة بالتقدير المناسب للجهد الذي تقوم به بالعمل و ذلك عبر الاحترام ، وهو أمر تفتقده في تونس، و هذا ما يدفعها نحو البحث عن إشباع هذه الحاجة بالخارج .

أحدث أقدم

نموذج الاتصال